حزمة من النتائج المهمة والخطيرة أفرزتها نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة ليس صعود أقصى اليمين إلى سدة الحكم وتخبط الأحزاب وتشوش الآراء، وإنما تصاعد المطالب الداخلية الإسرائيلية بتغيير نظام الانتخابات النسبي ليصبح انتخابا مباشرا.
في البداية أظهرت الانتخابات الأخيرة العديد من الظواهر والمؤشرات والدلائل التي ستترك آثارها السلبية على المجتمع الإسرائيلي، خاصة صعود أقصى اليمين إلى سدة الحكم، وترك آثار أيضا على المجتمع العربي والفلسطيني، لكن ثمة مطالب إسرائيلية داخلية من قادة ووزراء ومحللين سياسيين ومعلقين عسكريين بضرورة تحول إسرائيل إلى الانتخابات المباشرة بدلا من الانتخابات بالقائمة النسبية والتي جرت الويلات على الناخب الإسرائيلي، خاصة في ظل عدم بلورة مشروع سياسي واحد وواضح يمكن الحفاظ عليه والدفاع عنه وكذا تكوين حكومات إسرائيلية متتالية غير مستقرة ومتماسكة.
فقد نشرت صحيفة "هاآرتس" في السادس عشر من الشهر الجاري تقريرا مهما يشدد على ضرورة تحول الانتخابات الإسرائيلية إلى الانتخابات المباشرة على رئيس الوزراء وليس الاستمرار في نظام الانتخاب النسبي، حيث كتب "إبراهام بوراز" وزير الداخلية الإسرائيلي السابق بالصحيفة يطالب بذلك ويؤكد أن النظام الحالي يعرقل أي حكومة من اتخاذ قرارات سليمة وصحيحة؛ لأن الحزب الحاصل على أغلبية لابد من أن يدمج في حكومته أحزابا أخرى مخالفة لرؤيته وفكره سواء اليميني أو اليساري، وبالتالي تدخل المصالح الشخصية للأحزاب أو الأهواء الذاتية أو الشخصية لبعض الأشخاص في الحكومة الإسرائيلية، ما يحول دون إتمام أو اتخاذ قرارت فاعلة، وذلك رغم العمل بالنظام الانتخابي المباشر في انتخابات عام 1996 للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل والتي فاز فيها "بنيامين نتانياهو" على غريمه آنذاك "شيمون بيريز".
استمر العمل بالنظام الانتخابي المباشر في انتخابات عام 1999 والتي فاز فيها "إيهود باراك" على "نتانياهو"، في حين فاز "آرئيل شارون" بانتخابات عام 2001 على "باراك" نفسه، ومعنى ذلك أن الانتخابات بالنظام المباشر بدأت فقط في عام 1996 وانتهت في عام 2001 حينما نجح المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في القيام بحملة شعواء ضد النظام الانتخابي المباشر حيث ألغى قرار الانتخاب المباشر في عام 2001 بعد إجراء الانتخابات التي فاز فيها "شارون".
والسؤال هو.. لماذا يفضل الإسرائيليون في الوقت الراهن العمل بالنظام الانتخابي المباشر بديلا عن النظام الانتخابي النسبي الحالي؟.. والواقع أن الإسرائيليين يحاولون تقليد الانتخابات الأمريكية والألمانية والفرنسية في كونها انتخابات مباشرة وليست نسبية وتتيح للحزب الحاكم العمل بحرية واستقرار طيلة المدة الانتخابية القانونية المقررة في تل أبيب بأربع سنوات، حيث يفضل الإسرائيليون العودة إلى هذا النظام بعد تشوش الناخب الإسرائيلي في كيفية اتخاذ قرار مناسب سواء مع اليمين أو اليسار الإسرائيلي، وظهور تفاوت قليل بين الأحزاب الكبيرة مثل الفارق الضئيل بين (كاديما) و(الليكود) لصالح الأول بفارق بضعة آلاف من الأصوات.
فرغم نجاح "تسيبي ليفني" في الانتخابات إلا أنه من الممكن ألَّا تستطيع تشكيل حكومة إسرائيلية؛ نتيجة لعدم التفاف كثير من الأحزاب الإسرائيلية الفائزة حولها؛ لأن غالبية الأحزاب الإسرائيلية الفائزة بالانتخابات الأخيرة تنتمي إلى التيار اليميني المتشدد وربما أقصى اليمين، ومن ثم من الممكن أن يشكل "بنيامين نتانياهو" الحكومة بسهولة.
ومعنى ذلك أن التفاوت بين الأحزاب بات قريبا وأن الناخب الإسرائيلي بات مشوشا ولم يستطع اتخاذ قرار سليم وواضح، وبالتالي تصاعدت نغمة العودة مرة ثانية إلى نظام الانتخاب المباشر للحفاظ على الاستقرار في الحكم وبلورة مشاريع سياسية واضحة.